![]() |
ابراهيم الكزوزي * |
ما زالت بعض المدن تعيش على وقع الصاعقة المتمثلة في عفو الملك عن مغتصب الأطفال الإسباني الجنسية و الذي كان قد أدانته محاكم القنيطرة ب 30 سنة سجنا لم يكمل منها سنته الثانية.
الحدث الزلة الذي انتفضت له قوى اليسار و العلمانية و الحقوقية صمتت عنه كل القوى الإسلامية بكل تلاوينها من الذين يعتبرون أنفسهم في منصب الحكم إلى الذين ينصبون أنفسهم المسؤولين عن الدين و لا يتهاونون في اللجوء إلى قتل من يخالفهم الرأي إلى الذين يتمترسون في المعارضة الشرسة. خلت كل التظاهرات من الملتحين و المحجبات و كذا من "الليبراليين و "الوطنيين" و ترك أمر الدفاع عن كرامة الوطن و الأطفال المغتصبين لقوى اليسار و الهيآت الحقوقية و المدنية. ففي الوقت الذي بقي فيه حزب التقدم و افشتراكية منشغلا باشكالية تتمتعه بفريق برلماني و بقي حزب الإستقلال منشغلا بغزوه "للمعارضة الوطنية" و بنشوة فوزه على بنكران و بقي الإتحاد الإشتراكي منشغلا بفرحه و انتصاره باستقطاب حزب الإستقلال لصف معارضة سياسة الحكومة السفلى و السكوت عن قرارات الحكومة العليا و بقي الأحرار و الحركة الشعبية و الدستوريون و بقية الدكاكين السياسية منشغلة با "القضايا الكبرى" للأمة و المتمثلة في الركوع و السجود و التصفيق للقرارات الحكيمة و السديدة لرئيس الدولة و الطواف حول "رئيس الحكومة" قصد تصيد منصب وزاري أو ما دون ذلك بقليل و بقيت قوى "الإسلام السياسي" و "ألإسلام الحر" منشغلون بمراكمة "الأجر" بالإكثار من السنن و الحرص على استغلال كل الفرص المتاحة لكسب المزيد تجندت بعض الأبواق في الصحافة المرئية و المسموعة و المكتوبة لتبرير الحدث و التقليل من أهميته و المطالبة بعدم تسييسه
الحدث الزلة الذي جندت له القوى الحية الغير الراغبة في المناصب الحكومية و المقاعد البرلمانية و التواقة للتغيير الحقيقي و لدولة الحق و القانون و المناهضة للفساد السياسي و التدبيري تمثل في قدوم رئيس الدولة بالعفو عن مغتصب لأحد عشر طفلا دون احتساب الذين تستروا عن الفضيحة. هذه الزلة الملكية لم تقف في حدود هذا الحدث بل تعدته لزلتين حكوميتين تتمثل أولاها في تبرؤ وزير العدل من الواقعة ناسبا إياها للديوان الملكي دون أن يعي أن اعترافه يشكل في حد ذاته تنقيصا من قيمته باعتباره غير متحكم في ميدان اختصاصه. ثاني الزلات الحكومية تتمثل في الهجوم الشرس لآلة القمع الحكومية لارتكاب مجزرة في حق المحتجين على الزلة الملكية الأولى و دفاعا عن القرار الملكي السديد المتمثل في عطف و رضي صاحب الجلالة على المساجين الذين أدانتهم المحاكم الظالمة و الغير إنسانية و إن كانوا قد اقترفوا الجرائم و الأفعال التي لا يقبلها أي بلد و لا أي إنسان تفوق انسانيته درجة الصفر و لو بقليل. بعد الزلة الحكومية و هجمتها الشرسة على الأطر النقية التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام الدولية يخرج الملك عن صمته ليرتكب زلته الثانية بتذرعه بجهله لملف المعفى عنه.ناسيا أن اعترافه هذا يحيله إلى مجرد أصابع للتوقيع على ما يقرره غيره الذي يستغل مهمته لبيع خدماته بالثمن الذي يريد لاحتكاره لتسويقها. تذرع الملك بالجهل يثبت مقولة العذر اكبر من الزلة إذ كيف يمكن لملك مارس مهمة "العفو" منذ توليه الملك كما مارسها أبوه طوال سنوات حكمه كآلية لكسب الأنصار عبر تعطش "السجناء" و عائلاتهم لعطفه متناسيا كونهم و باستثناء سجناء الرأي حثالة المجتمع إما بأوضاعهم الاجتماعية أو بما اقترفوه من جرائم و جنح أن يتذرع بخطأ غيره و الذي لن يكون إلا أحد معاونيه الذي عينه هو نفسه في منصبه خاصة إذا علمنا أن جهازه الاستشاري و مختلف المؤسسات التابعة له تكاد تفوق مؤسسات الحكومة عددا و تفوقها نفوذا و قوة. كيف يمكن أن يصدر خطأ من هذا الحجم ممن ينزهه فقهاءه و تقام الدنيا و تقعد للتصدي لكل من شكك في شخصه المقدس أو ناقش خطابه او تحدث عن قصره المقدس او شكك في قدسية الأرض التي يطؤها.
زلة التذرع بالجهل تبعته زلة تدويل القضية بسحب العفو عمن لم يغادر فقط أسوار السجن بل غادر أيضا كل التراب الوطني مما يجعل أمر إعادته للسجن تستوجب المرور عبر دولة أخرى التي لم يقترف بها الجاني ربما ذنبا يستدعي اعتقاله و يقحم وزارة العدل في طلب السراب و إنشاء "سابقة" سيتم تداولها كإشكال خاص في مادة القانون الجنائي في مختلف الجامعات الوطنية و الدولية و تصبح مرجعا كونيا لدولة اللاقانون. الذي لا يمكن حله إلا بخرق مسطرة ما من مساطر القانون الوطني للبلد المعني و للقانون الدولي أيضا.
العفو الحدث ليس مجرد "حادث" للدراسة بل هو حادث أظهر محدودية الحكومة المغربية التي لا تلعب أي دور في مجال اختصاصها و لا تستشار فيما يعنيها أو تتم استشارتها فتجيب ب "افعل ما بدا لك" كما يطرح إشكالية "ازدواجية الحكم" و تداخل الاختصاصات بين وزارة العدل و إدارة السجون و بين هذه و السجون نفسها و مختلف أجهزة القضاء كما يحيل وزير العدل من النمر القوي إلى مجرد خروف في جلد النمر كما أحال الهيآت السياسية المصطفة فيما تسميه بالمعارضة إلى مجرد هيأت هاوية "للغوت الفارغ" كما أحالت كل الحركات "الإسلامية" إلى حركات بهلوانية ربوتيه تتحرك بالزر و لا تملك لا سلطة التقرير و لا سلطة التنفيذ.
العفو الحدث عرى آلية كسب و إظهار العطف و الرضي بتقديم تنازلات غير مبررة و لا مقننة مثلما يتم في توزيع الهبات و العطاء من مال الأمة كما عرى مهمة ممارسة الملك و الحكم و إشكالية المحاسبة إذ أننا الآن أمام إشكال محاسبة من و بأية آلية و عقاب من و عن أي درجة من المسؤولية و هذا هو عمق الإشكال السياسي الذي تجندت ابواق عدة لمطالبتنا بعدم تسييس الحدث كما لو أنه مجرد زلة في الطريق و سكتت عنه الحكومة و الأحزاب المكونة لها و كذا الأحزاب المعارضة رسميا لها في البرلمان حتى تستصغر القضية و
تتلاشى بتناسيها.
* عضو مكتب الفرع للاشتراكي الموحد بالمحمدية
0 commentaires:
إرسال تعليق